responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 488
وَلَمْ نَرَ جَوَابَهُمْ عَنْ حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ، وَأَحْسَبُ أَنَّهُمْ يُجِيبُونَ عَنْهُ بِأَنَّ أَخْبَارَ الْآحَادِ لَا تَنْقُضُ أُصُولَ الدِّينِ وَلِذَلِكَ احْتَاجَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ إِلَى الِاسْتِدْلَالِ بِالتَّوَاتُرِ الْمَعْنَوِيِّ.
وَالْحَقُّ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ أَعْلَقُ بِالْفُرُوعِ مِنْهَا بِالْأُصُولِ لِأَنَّهَا لَا تَتَعَلَّقُ بِذَاتِ اللَّهِ وَلَا بِصِفَاتِهِ وَلَوْ جَارَيْنَاهُمْ فِي الْقَوْلِ بِوُجُوبِ إِثَابَةِ الْمُطِيعِ وَتَعْذِيبِ الْعَاصِي، فَإِنَّ الْحِكْمَةَ تَظْهَرُ بِدُونِ الْخُلُودِ وَبِحُصُولِ الشَّفَاعَةِ بَعْدَ الْمُكْثِ فِي الْعَذَابِ، فَلَمَّا لَمْ نَجِدْ فِي إِثْبَاتِ الشَّفَاعَةِ مَا يَنْقُضُ أُصُولَهُمْ فَنَحْنُ نقُول لَهُم: لم يبْق إِلَّا أَنَّ هَذَا حُكْمٌ شَرْعِيٌّ فِي تَقْدِير تَعْذِيب صَاحِبِ الْكَبِيرَةِ غَيْرِ التَّائِبِ وَهُوَ يَتَلَقَّى مِنْ قِبَلِ الشَّارِعِ وَعَلَيْهِ فَيَكُونُ تَحْدِيدُ الْعَذَابِ بِمُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ أَوْ إِلَى حُصُولِ عَفْوِ اللَّهِ أَوْ مَعَ الشَّفَاعَةِ، وَلَعَلَّ الشَّفَاعَةَ تَحْصُلُ عِنْدَ إِرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى إِنْهَاءَ مُدَّةِ
التَّعْذِيبِ. وَبَعْدُ فَمِنْ حَقِّ الْحِكْمَةِ أَنْ لَا يَسْتَوِي الْكَافِرُونَ وَالْعُصَاةُ فِي مُدَّةِ الْعَذَابِ وَلَا فِي مِقْدَارِهِ، فَهَذِهِ قَوْلَةٌ ضَعِيفَةٌ مِنْ أَقْوَالِهِمْ حَتَّى عَلَى مُرَاعَاةِ أُصُولِهِمْ، وَقَدْ حَكَى الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ إِجْمَاعَ الْأُمَّةِ قَبْلَ حُدُوثِ الْبِدَعِ عَلَى ثُبُوتِ الشَّفَاعَةِ فِي الْآخِرَةِ، وَهُوَ حق فقد قَالَ سَوَادُ بْنُ قَارِبٍ يُخَاطِبُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
فَكُنْ لِي شَفِيعًا يَوْمَ لَا ذُو شَفَاعَةٍ ... بِمُغْنٍ فَتِيلًا عَنْ سَوَادِ بْنِ قَارِبٍ
وَأَمَّا الشَّفَاعَةُ الْكُبْرَى الْعَامَّةُ لِجَمِيعِ أَهْلِ مَوْقِفِ الْحِسَابِ الْوَارِدِ فِيهَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ فَإِنَّ أُصُولَ الْمُعْتَزِلَةِ لَا تَأْبَاهَا.
وَقَوْلُهُ: وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ وَالْعَدْلُ- بِفَتْحِ الْعَيْنِ- يُطْلَقُ عَلَى الشَّيْءِ الْمُسَاوِي شَيْئًا وَالْمُمَاثِلِ لَهُ وَلِذَلِكَ جُعِلَ مَا يُفْتَدَى بِهِ عَنْ شَيْءٍ عَدْلًا وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً [الْمَائِدَة: 95] فَالْمَعْنَى: وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا مَا تَفْتَدِي بِهِ عِوَضًا عَنْ جُرْمِهَا.
وَالنَّصْرُ هُوَ إِعَانَةُ الْعَدُوِّ عَلَى عَدُوِّهِ وَمُحَارِبِهِ إِمَّا بِالدِّفَاعِ مَعَهُ أَوِ الْهُجُومِ مَعَهُ فَهُوَ فِي الْعُرْفِ مُرَادٌ مِنْهُ الدِّفَاعُ بِالْقُوَّةِ الذَّاتِيَّةِ وَأَمَّا إِطْلَاقُهُ عَلَى الدِّفَاعِ بِالْحُجَّةِ نَحْوَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ [آل عمرَان: 52] وَعَلَى التَّشَيُّعِ وَالِاتِّبَاعِ نَحْوَ إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ [مُحَمَّد: 7] فَهُوَ اسْتِعَارَة.

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 488
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست