responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 31
ثَالِثُهَا:
أَنْ يَكُونَ لَهُ مَيْلٌ إِلَى نَزْعَةٍ أَوْ مَذْهَبٍ أَوْ نِحْلَةً فَيَتَأَوَّلُ الْقُرْآنَ عَلَى وَفْقِ رَأْيِهِ وَيَصْرِفُهُ عَنِ الْمُرَادِ وَيُرْغِمُهُ عَلَى تَحَمُّلِهِ مَا لَا يُسَاعِدُ عَلَيْهِ الْمَعْنَى الْمُتَعَارَفُ، فَيُجْرِ شَهَادَةَ الْقُرْآنِ لِتَقْرِيرِ رَأْيِهِ وَيَمْنَعُهُ عَنْ فَهْمِ الْقُرْآنِ حَقَّ فَهْمِهِ مَا قَيَّدَ عَقْلَهُ مِنَ التَّعَصُّبِ، عَنْ أَنْ يُجَاوِزَهُ فَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَخْطُرَ بِبَالِهِ غَيْرُ مَذْهَبِهِ حَتَّى إِنْ لَمَعَ لَهُ بَارِقُ حَقٍّ وَبَدَا لَهُ مَعْنًى يُبَايِنُ مَذْهَبَهُ حَمَلَ عَلَيْهِ شَيْطَانُ التَّعَصُّبِ حَمْلَةً وَقَالَ كَيْفَ يَخْطُرُ هَذَا بِبَالِكَ، وَهُوَ خِلَافُ مُعْتَقَدِكَ؟
كَمَنْ يَعْتَقِدُ مِنَ الِاسْتِوَاءِ عَلَى الْعَرْشِ التَّمَكُّنَ وَالِاسْتِقْرَارَ، فَإِنْ خَطَرَ لَهُ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: الْقُدُّوسُ [الْحَشْر: 23] أَنَّهُ الْمُنَزَّهُ عَنْ كُلِّ صِفَاتِ الْمُحْدَثَاتِ حَجَبَهُ تَقْلِيدُهُ عَنْ أَنْ يَتَقَرَّرَ ذَلِكَ فِي نَفْسِهِ، وَلَوْ تَقَرَّرَ لَتَوَصَّلَ فَهْمُهُ فِيهِ إِلَى كَشْفِ مَعْنًى ثَانٍ أَوْ ثَالِثٍ، وَلَكِنَّهُ يُسَارِعُ إِلَى دَفْعِ ذَلِكَ عَنْ خَاطِرِهِ لِمُنَاقَضَتِهِ مَذْهَبَهُ. وَجُمُودُ الطَّبْعِ عَلَى الظَّاهِرِ مَانِعٌ مِنَ التَّوَصُّلِ لِلْغَوْرِ. كَذَلِكَ تَفْسِيرُ الْمُعْتَزِلَةِ قَوْلَهُ: إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ [الْقِيَامَة: 23] بِمَعْنَى أَنَّهَا تَنْتَظِرُ نِعْمَةَ رَبِّهَا عَلَى أَنَّ إِلَى وَاحِدُ الْآلَاءِ مَعَ مَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْخُرُوجِ عَنِ الظَّاهِرِ وَعَنِ الْمَأْثُورِ وَعَنِ الْمَقْصُودِ مِنَ الْآيَةِ.
وَقَالَتِ الْبَيَانِيَّةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: هَذَا بَيانٌ لِلنَّاسِ [آل عمرَان: 138] إِنَّهُ بَيَانُ ابْن سَمْعَانَ كَبِيرُ مَذْهَبِهِمْ [1] . وَكَانَتِ الْمَنْصُورِيَّةُ أَصْحَابُ أَبِي مَنْصُورٍ الْكِسْفِ [2] يَزْعُمُونَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ [الطّور: 44] أَنَّ الْكِسْفَ إِمَامَهُمْ نَازِلٌ مِنَ السَّمَاءِ، وَهَذَا إِنْ صَحَّ عَنْهُمْ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ مُلْصَقَاتِ أَضْدَادِهِمْ فَهُوَ تَبْدِيلٌ لِلْقُرْآنِ وَمُرُوقٌ عَنِ الدِّينِ.

رَابِعُهَا:
أَنْ يُفَسِّرَ الْقُرْآنَ بِرَأْيٍ مُسْتَنِدٍ إِلَى مَا يَقْتَضِيهِ اللَّفْظُ ثُمَّ يَزْعُمُ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمُرَادُ دُونَ غَيْرِهِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ التَّضْيِيقِ عَلَى الْمُتَأَوِّلِينَ.

خَامِسُهَا:
أَنْ يَكُونَ الْقَصْدُ مِنَ التَّحْذِيرِ أَخْذَ الْحِيطَةِ فِي التَّدَبُّرِ وَالتَّأْوِيلِ وَنَبْذَ التَّسَرُّعِ
إِلَى ذَلِكَ، وَهَذَا مَقَامٌ تَفَاوَتَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ وَاشْتَدَّ الْغُلُوُّ فِي الْوَرَعِ بِبَعْضِهِمْ حَتَّى كَانَ لَا يَذْكُرُ تَفْسِيرَ شَيْءٍ غَيْرَ عَازِيهِ إِلَى غَيْرِهِ، وَكَانَ الْأَصْمَعِيُّ لَا يُفَسِّرُ كَلِمَةً مِنَ الْعَرَبِيَّةِ إِذَا كَانَتْ وَاقِعَةً فِي الْقُرْآنِ،

[1] وَهُوَ بَيَان بن سمْعَان التَّمِيمِي، والبيانية من غلاة الشِّيعَة، يَقُولُونَ بالحلول وبإلهية عَليّ وَالْحسن وَالْحُسَيْن وَمُحَمّد بن الْحَنَفِيَّة. صلب خَالِد بن عبد الله الْقَسرِي بَيَانا هَذَا سنة 119 هـ بِالْكُوفَةِ.
[2] هُوَ أَبُو مَنْصُور الْعجلِيّ الملقب بالكشف- بِكَسْر الْكَاف وَسُكُون السِّين- زعم أَنه خَليفَة الباقر وَزعم أَنه عرج إِلَى السَّمَاء وتلقى من الله الْإِذْن بِأَن يبلغ عَنهُ وَأَنه المُرَاد بقوله تَعَالَى: وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ [الطّور: 44] قَتله يُوسُف بن عمر الثَّقَفِيّ أَمِير الْعرَاق بَين سنة 120 و126 هـ.
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 31
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست