responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 119
أَنْكَرْتُ باطلها وَيُؤْت بحقهما ... عِنْدِي وَلَمْ يَفْخَرْ عَلَيَّ كِرَامُهَا
وَتِلْكَ مِثْلُ مَجَامِعِهِمْ عِنْدَ الْمُلُوكِ وَفِي مَقَامَاتِ الْمُفَاخَرَاتِ وَهِيَ نَادِرَةُ الْوُقُوعِ قَلِيلَةُ السَّيَرَانِ وَحِيدَةُ الْغَرَضِ، إِذْ لَا تَعْدُو الْمَفَاخِرُ وَالْمُبَالَغَاتُ فَلَا يُحْفَظُ مِنْهَا إِلَّا مَا فِيهِ نُكْتَةٌ أَوْ مُلْحَةٌ أَوْ فِقْرَاتٌ مَسْجُوعَةٌ مِثْلَ خِطَابِ امْرِئِ الْقَيْسِ مَعَ شُيُوخِ بَنِي أَسَدٍ. فَجَاءَ الْقُرْآنُ بِأُسْلُوبٍ فِي الْأَدَبِ غَضٍّ جَدِيدٍ صَالِحٍ لِكُلِّ الْعُقُولِ، مُتَفَنِّنٍ إِلَى أَفَانِينِ أَغْرَاضِ الْحَيَاةِ كُلِّهَا
مُعْطٍ لِكُلِّ فَنٍّ مَا يَلِيقُ بِهِ مِنَ الْمَعَانِي وَالْأَلْفَاظِ وَاللَّهْجَةِ، فَتَضَمَّنَ الْمُحَاوَرَةَ وَالْخَطَابَةَ وَالْجَدَلَ وَالْأَمْثَالَ (أَيِ الْكَلِمَ الْجَوَامِعَ) وَالْقِصَصَ وَالتَّوْصِيفَ وَالرِّوَايَةَ.
وَكَانَ لِفَصَاحَةِ أَلْفَاظِهِ وَتَنَاسُبِهَا فِي تَرَاكِيبِهِ وَتَرْتِيبِهِ عَلَى ابْتِكَارِ أُسْلُوبِ الْفَوَاصِلِ الْعَجِيبَةِ الْمُتَمَاثِلَةِ فِي الْأَسْمَاعِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُتَمَاثِلَةَ الْحُرُوفِ فِي الْأَسْجَاعِ، كَانَ لِذَلِكَ سَرِيعَ الْعُلُوقِ بِالْحَوَافِظِ خَفِيفَ الِانْتِقَالِ وَالسَّيْرِ فِي الْقَبَائِلِ، مَعَ كَوْنِ مَادَّتِهِ وَلُحْمَتِهِ هِيَ الْحَقِيقَةَ دُونَ الْمُبَالَغَاتِ الْكَاذِبَةِ وَالْمُفَاخَرَاتِ الْمَزْعُومَةِ، فَكَانَ بِذَلِكَ لَهُ صَوْلَةُ الْحَقِّ وَرَوْعَةٌ لِسَامِعِيهِ، وَذَلِكَ تَأْثِيرٌ رُوحَانِيٌّ وَلَيْسَ بِلَفْظِيٍّ وَلَا مَعْنَوِيٍّ.
وَقَدْ رَأَيْتُ الْمُحَسِّنَاتِ فِي الْبَدِيعِ جَاءَتْ فِي الْقُرْآنِ أَكْثَرَ مِمَّا جَاءَتْ فِي شِعْرِ الْعَرَبِ، وَخَاصَّةً الْجِنَاسَ كَقَوْلِهِ: وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً.
وَالطِّبَاقَ كَقَوْلِهِ: كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ [الْكَهْف: 104] وَقَدْ أَلَّفَ ابْنُ أَبِي الْإِصْبَعِ كِتَابًا فِي «بَدِيعِ الْقُرْآنِ» . وَصَارَ لِمَجِيئِهِ نَثْرًا أَدَبًا جَدِيدًا غَضًّا وَمُتَنَاوِلًا لِكُلِّ الطَّبَقَاتِ. وَكَانَ لِبَلَاغَتِهِ وَتَنَاسُقِهِ نَافِذُ الْوُصُولِ إِلَى الْقُلُوبِ حَتَّى وَصَفُوهُ بِالسِّحْرِ وَبِالشِّعْرِ: أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ [الطّور: 30] .

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 119
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست