responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : جمع الجواهر في الملح والنوادر نویسنده : الحُصري القيرواني    جلد : 1  صفحه : 6
فدفع إليه الألف دينار، واستعفاه أن يعاود مثل هذا.
وكانت لأبي العبر مع موسى بن عبد الملك قصة مثل هذه في أيام المتوكل: رفع إليه كتاباً بأرزاقه وأرزاق جماعة من أهله ليوقع فيه ويختمه؛ فدافعه به موسى مدةً، فوقف له يوماً فلما ركب أنشده:
موسى إلى كم تتبرّد ... وكم وكم تتردّد
موسى أجزني كتابي ... بحقّ ربّك الأسود
يريد محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي رضي الله عنهم، والإمامية تزعم أنه إمام وقته، فجزع موسى وسأله كتم ما كان عليه ومعاودة مثله: وأنشد أبو عبادة الوليد بن عبيد البحتري المتوكل قصيدته:
من أيّ ثغرٍ تبتسم ... وبأيّ طرفٍ تحتكم
حسن يضنّ بحسنه ... والحسن أشبه بالكرم
أفديه من ظلكم الوشا ... ة وإن أساء وإن ظلم
وهي حلوة الروي، مليحة العروض، حسنة الطبع، فكان البحتري فيه كبر وإعجاب. فإذا أنشد، قال: ما لكم لا تعجبون، أما حسن ما تسمعون؟! فقام إليه أبو العنبس الصيمري وقد قال ذلك فقال:
عن أيّ سلح تلتقم ... وبأيّ كفّ تلتطم
ذقن الوليد البحتريّ ... أبي عبادة في الرّحم
أدخلت رأسك في الرحم
فولى البحتري مغضباً، فقال أبو العنبس: وعلمت أنك تنهزم.
فضحك المتوكل حتى فحص برجليه وأمر بالجائزة لأبي العنبس.
وقد يحتاج العاقل المميز، والفاضل المبرز، إلى الهزل كاحتياجه إلى الجد، ويفتقر إلى الجور كافتقاره إلى القصد؛ وعلم الفتى في غير موضعه جهل.
وصحب الإمام محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه قوماً في سفره فكان يجاريهم على أخلاقهم، ويخالطهم في أحوالهم، وهم لا يعرفونه، فلما دخل مصر حضروا الجامع، فوجدوه يفتي في حلال الله وحرامه، ويقضي في شرائعه وأحكامه، والناس مطرقون لإجلاله، فرآهم فاستدعاهم، فلما انصرفوا سئل عنهم فأنشد:
وأنزلني طول النّوى دار غربةٍ ... إذا شئت لاقيت امرأً لا أشاكله
أُحامقه حتى يقال سجيّة ... ولو كان ذا عقل لكنت أعاقله
وقد يخرج الفطن اللبيب، وينتج الطبن الأديب، من الهزل السخيف، غرائب الجد الشريف، فالنار قد تلتظى من ناضر السلم.
ولما قال بشار بن برد:
كأن فؤاده كرة تنزّى ... حذار البين لو نفع الحذار
جفت عيني عن التغميض حتى ... كأنّ جفونها عنها قصار
يروّعه السّرار بكل شيء ... مخافة أن يكون به السّرار
قيل له: من أين أخذت هذا؟ قال: من قول أشعب الطماع: ما رأيت اثنين يتساران إلا ظننتهم يأمران لي بشيء.
ومر مزيد المديني مزبد المدني بجرة مغطاة، فقال له بعض جيرانه: ما هذا؟ فقال له: يا أحمق، فلم سترناه!! أخذه ابن الرومي، فقال لمن سأله: لم تلزم العمة؟
يأيها السائلي لأُخبره ... عني لم لا أزال معتجرا
أستر شيئاً لو كان يمكنني ... تعريفه السائلين ما سترا
وكان ابن الرومي أقرع الرأس، وقد أخبر بعلة ذلك في قوله:
تعمّمت إحصاناً لرأسي برهةً ... من القرّ يوماً والحرور إذا سفع
فلما دهى طول التعمّم لّمتي ... فأزرى بها بعد الأصالة والفرع
عزمت على لبس العمامة حيلةً ... لتستر ما جرّت عليّ من الصّلع
فيا لك من جانٍ عليّ جنايةً ... جعلت إليه من جنايته الفزع
وأعجب شيء كان دائي جعلته ... دوائي على عمدٍ وأعجب بأن نفع
الهزل من الجد
وقد يستجلب من الجديات الصريحة، ظرائف الهزليات المليحة، فقد قيل على وجه الذم: من حفر لأخيه حفرةً وقع فيها، وقيل: من سل سيف البغي قتل به، وقال ابن المعتز في الفصول القصار: لم يقع سيف حيلته إلا على مقاتله. وأنشدوا لبعض الأعراب:
رماني بأمرٍ كنت منه ووالدي ... بريّاً ومن جال الطويّ رماني

نام کتاب : جمع الجواهر في الملح والنوادر نویسنده : الحُصري القيرواني    جلد : 1  صفحه : 6
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست