responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر - ت الحوفي نویسنده : ابن الأثير، ضياء الدين    جلد : 1  صفحه : 79
"استعرت الحرب" أو ما جرى مجراه. وكذلك قال -صلى الله عليه وسلم: "بعثت في نفس الساعة" فقوله: "نفس الساعة" من العبارة العجيبة التي لا يقوم غيرها مقامها؛ لأن المراد بذلك أنه بُعِثَ والساعة قريبة منه، لكن قربها منه لا يدل على ما دلَّ عليه النفس، وذاك أن النفس يدل على أن الساعة منه بحيث يحس بها كما يحسّ الإنسان بنفس من هو إلى جانبه، وقد قال -صلى الله عليه وسلم- في موضع آخر: "بعثت أنا والساعة كهاتين" وجمع بين إصبعيه السبابة والوسطى، ولو قال: بعثت على قرب من الساعة, أو والساعة قريبة مني, لما دلَّ ذلك على ما دلَّ عليه نفس الساعة، وهذا لا يحتاج إلى الإطالة في بيانه، لأنه بَيِّنٌ واضح.
وقد ورد شيء من ذلك في أقوال الشعراء المفْلِقين, ولقد تصفَّحت الأشعار قديمها وحديثها, وحفظت ما حفظت منها، وكنت إذا مررت بنظري في ديوان من الدواوين ويلوح لي فيه مثل هذه الألفاظ أجد لها نشوةً كنشوة الخمر، وطربًا كطرب الألحان، وكثير من الناظمين والناثرين يمر على ذلك ولا يتفطن له، سوى أنه يستحسنه من غير نظر فيما نظرت أنا فيه، ويظنه كغيره من الألفاظ المستحسنة.
فمما جاء من ذلك قول أبي تمام1:
كم صارمٍ عضبٍ أناف على قفًا ... منهم لأعباء الوعى حمَّال
سبق المشيب إليه حتى ابتزه ... وطن النُّهَى من مفرقٍ وقذال2
فقوله: "وطن النهى" من الكلمات الجامعة، وهي عبارة عن الرأس، ولا يجاء بمثلها في معناها مما يسد مسدها. وكذلك ورد قول البحتري:
قلبٌ يطلُّ على أفكاره ويدٌ ... تمضي الأمور، ونفسٌ لهوها التعب3
فقوله: "قلبٌ يطل على أفكاره" من الكلمات الجوامع، ومراده بذلك أن قلبه لا تملوه الأفكار، ولا تحيط به، وإنما هو عالٍ عليها، يصف بذلك عدم احتفاله بالقوادح، وقلَّة مبالاته بالخطوب التي تحدث أفكارًا تستغرق القلوب، وهذه عبارة عجيبة لا يؤمن بمثلها مما يسد مسدها.

1 ديوان أبي تمام 236.
2 ابتزه: سلبه، وطن النهي: الرأي، المفرق: وسط الرأس، القذال: مؤخره.
3 ديوان البحتري 204، ورواية الديوان "يطل على أقطاره".
نام کتاب : المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر - ت الحوفي نویسنده : ابن الأثير، ضياء الدين    جلد : 1  صفحه : 79
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست