بعد
أن لقيت هؤلاء الشعراء وغيرهم امتلأت يأسا من أن أجد صديقا صدوقا يفضي إلي من
أسرار الصداقة ما يجعلني أفقه هذا السر الخطير من أسرار الحياة..
لكني
وأنا في تلك الحال الممتلئة باليأس والإحباط رأيت رجلا قد التف به جمع من الناس يسألونه؛
فاقتربت منه، فسمعته يقول[1]: الصداقة التي تدور بين الرغبة
والرهبة شديدة الاستحالة، وصاحبها من صاحبه في غرور، والزلة فيها غير مأمونة،
وكسرها غير مجبور.
قال
له بعض الحاضرين: فما تقول في صداقة الملوك؟
ابتسم،
وقال: الملوك فقد جلوا عن الصداقة، ولذلك لا تصح لهم أحكامها، ولا توفي بعهودها،
وإنما أمورهم جارية على القدرة، والقهر، والهوى، والشائق، والاستحلاء، والاستخفاف.
قال
آخر: وما تقول في خدمهم وحشمهم والمقربين منهم؟
قال:
هم على غاية الشبه بهم، ونهاية المشاكلة لهم، لانتشابهم بهم، وانتسابهم إليهم،
وولوع طورهم بما يصدر عنهم، ويرد عليهم.
[1]
هذا النص وما بعده مقتبس بتصرف من كتاب الصداقة والصديق لأبي حيان التوحيدي (ص:
32)